تؤرخ "الروزنامة" بتقويميها الميلادي والهجري، للايام والاسابيع والاشهر، ومعها لحياتنا التي تمضي عاما بعد آخر، قد نطوي عامًا على احداث اليمة وحزينة لا نأسف عليه، ونستقبل آخر بتفاؤل مفتوح على امال كبيرة، نبحث بينها عن الأمن والأمان ورغد العيش والصحة التي تبقى اكبر نعم الله.
على مدار 365 يومًا، تسقط ورقة تلوَ ورقة، لتعلن نهاية عام وبداية جديد، فيسارع اللبنانيون الى استبدالها لمعرفة التواريخ والمناسبات كما الاعياد والعطل الرسمية ومواقيت الصلوات.
وتتعدد أنواع "الروزنامة" في الأسواق اللبنانية وفق الطوائف، فللمسلمين التقويم "العصري" وهو الاقدم والاعرق ويتم التركيز فيه على مواقيت الصلوات الخمس، وتواريخ المناسبات والأعياد الوطنية والإسلامية وعلى الأحاديث النبوية الشريفة والحكم والأمثال، و"طبارة والفاخوري" اللذين يعتمدان التقويمين السوري والمصري في حساب الأيام والشهور، اضافة الى تقويم الصايغ وقد أفل نجمه، اما للمسيحيين فهناك تقويمي "الفرح وباسيل" ويركزان على المناسبات والاعياد المسيحية.
في صيدا، كما باقي المناطق اللبنانية، يزداد اقبال المواطنين على شراء "الروزنامة" ذات التقويمين "الميلادي والهجري" وتحديدا في الشهر الاخير-كانون الاول من كل عام، فيزدهر بيعها في المكتبات التي عادة تزين واجهاتها كي تلفت انتباه العابرين امامها.
ويقول احد اصحاب المكتبات في صيدا "ان الروزنامة اليوم باتت حاجة ملحّة لا يمكن الاستغناء عنها، نجدها في معظم المنازل، اذ لا يستطيع كثير من الناس العيش بدونها لمعرفة المناسبات والايام والتاريخ ومواقيت الصلاة تحديدا"، قبل ان يضيف "ان الاقبال على شرائها يبدأ في الشهر الاخير من كل عام (كانون الاول) ويستمر متقطعا حتى الشهر الخامس (ايار)، ثم يعود خفيفا في عطلة الصيف حيث يعمد كثير من المغتربين في البلاد الغربية الذين يقضون اجازاتهم الى شرائها لمعرفة ايام رمضان والحج وعيدي الفطر والاضحى تحديدا كما الأعياد عند المسيحيين الّذين يتّبعون التقويمين الغربي والشرقي لا سيّما أن المواعيد تختلف باختلافهما"، مشيرا الى ان "الروزنامة" نوعان، كبيرة ويفضلها كبار السن لان خطّها واضح وسعرها 7 الاف ليرة لبنانية، وعادية مع صورة ملونة وتباع بـ6 الاف ليرة لبنانية، اما عادية تقليدية وسعرها 5 الاف ليرة لبنانية وفق مزاج الزبون".
فنون وانواع
ومنذ سنوات، بدأت "الروزنامة" تتجاوز غايتها في تحديد التواريخ، اذ تحولت عند البعض الى نوع من انواع الدعاية والترويج، اذ يتفنن اصحابها في وضع الصورة التي تجذب الزبائن بعدما بقي طابعها ردحا طويلا من الزمن تقليديا بحيث تدوّن تاريخ العام بخط كبير واضح، أما اليوم فتتربع على صدرها صور "المساجد والآيات القرانية وصور الطبيعة الجميلة"، اضافة الى صور "القدس والاقصى وفلسطين"، كما تطبع صور القدّيسين والكنائس القديمة والمشيّدة حديثًا" فيما تعمد بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية الى شراء "بلوك الورق فقط، الذي يدون الايام والتواريخ، وتطبع هي واجهة "الروزنامة" التي تكون عادة اعلان او ترويج لخدماتها، فتقدمها هدايا الى الفاعليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية او لداعميها، كما تفعل بعض الاندية الكشفية والرياضية بهدف جمع التبرعات.
خارج المكتبة، ينهمك الموظف في ترتيب "الروزنامات" التي تتداخل صورها واشكالها، يقول "انه الموسم الآن، الاقبال جيد ونعرض كل ما لدينا منها"، قبل ان يردف "لقد باتت تقليدا وجزءا من عادات ابناء المدينة ومنطقتها ومخيماتها الفلسطينية الذين يفضلون ان يمزقوا بأياديهم كل يوم ورقة منها بعد ان يطلعوا على ما كتب فيها من حكم واقوال ومواقيت الصلاة والعطل وسواها".
أما في الداخل، فيقول حسين آغا وهو يحمل "روزنامة" في يده: "لقد اشتريت واحدة لان زوجتي تطلبها كل عام وتكاد تنظم حياتها على أوقاتها"، ممازحًا: "على كل الاحوال فهي تذكرنا بأن عاما من حياتنا قد مضى"، بينما تؤكد فاطمة الخطيب انها ادمنت على هذه العادة منذ ان كانت في بيت اهلها، وتقول: "اليوم اصبحت أما وتكرر ذات الشيء بهدف معرفة الايام والتواريخ والاستفادة مما يكتب فيها من حكم ومواعظ وكل ما يتعلق بالطعام والشراب".
وتدون "الروزنامة" في لبنان التاريخين الميلادي والهجري معا، بيد أن كثيرا من الناس يخلطون بين التاريخ الميلادي والتقويم الشمسي، فالتاريخ الميلادي هو اتفاق جماعي ينطلق من حدث تاريخي هو ميلاد المسيح، في حين أن التقويم الشمسي ظاهرة فلكية ثابتة يعتمد عليها التاريخ الميلادي، وتساوي الفترة التي يستغرقها دوران الأرض حول الشمس.
ويرى الباحثون في التاريخ، أن التقويم الشمسي أكثر انتظامًا وثباتًا من التقويم الميلادي، فالاول دورة فلكية دقيقة وجدت منذ بدء الخليقة ويمكن بواسطتها تحديد مظاهر طبيعية كثيرة كإنتهاء المواسم وحلول الأبراج ونضوج الثمار وبدء التزاوج لدى الحيوانات، أما التاريخ الميلادي فجهدٌ بشريٌ واتفاقٌ جماعيٌ عمره ألفا عام... بل أن التاريخ الميلادي ذاته لم يصبح منتظمًا ودقيقًا إلا بعد أن واءم نفسه مع التقويم الشمسي، فأيام الإمبراطورية الرومانية كانت السنة تحسب على أنها 360 يومًا، في حين أنّ السنة الفعلية هي 365 يومًا الفترة التي يستغرقها دوران الأرض حول الشمس، وهذا التفاوت يعني نقصًا قدره خمسة أيام في العام وشهر كل ست سنوات، ولتلافي النقص الحاصل في كل عام أصدر يوليوس قيصر قرارا بزيادة عدد الأيام في بعض الأشهر حتى وصلت إلى 31 يومًا، وفي عام 1582 أصدر البابا غريغوري قرارا تكميليا لكي يتطابق التاريخ الميلادي مع التقويم الشمسي بشكل كامل ونهائي وبسبب هذا التطابق الكبير أصبحنا نخلط بين التقويم الشمسي الذي كان آباؤنا يعتمدون عليه في الغرس والحصاد وبين التاريخ الميلادي الذي اتخذ منحى عالميًا.
أما التقويم الهجري، فقد بدأه المسلمون منذ هجرة الرسول محمد من مكة الى المدينة على إعتباره الاحدث الابرز، وهو يعتمد على الأشهر القمرية التي تنتهي ناقصة قبل نهاية السنة الفعلية بأحد عشر يومًا، وهذا هو الفرق بين السنة القمرية والشمسية وبين التقويم الميلادي والهجري، وبسبب تراكمها السنوي تأتي المواسم الإسلامية كرمضان والحج في توقيت متغير ومناخ متفاوت عامًا بعد عام، علمًا أنّ هناك هامش خطأ بالتقويم الهجري مقارنة مع الزمن الميلادي من جهة والتقويم الشمسي من جهة ثانية.
يذكر ان "الروزنامة" اسم فارسي الأصل وهو مركّب مؤلف من كلمتين فارسيتين "روز (أي يوم)، ونامة (أي كتاب)" ويطلق على كتيّب صغير يتضمن عرضا للأيام والشهور وطلوع الشمس والقمر على مدار العام.